بقلم الدكتور: رفعت نجم
مدير عام بوزارة السياحة والآثار
المعروف أن سيدنا عيسي عليه السلام كان يرى العجائب في صباه، إلهاما من عند الله سبحانه وتعالى، مما آثار ضجة عبدة الأوثان، فهموا بقتله فأوحى الله عز وجل، إلى السيدة مريم العذراء أن تهاجر إلى مصر، بولدها الصغير في قوله تعالى” وأؤينهما إلى ربوة ذات قرار ومعين” صدق الله العظيم، ومن هنا بدأت الرحلة المباركة، رحلة العذراء من الخوف إلى الأمان، من اليأس إلى واحة الأمل والرجاء، إلى مصر العامرة أبداً بالإيمان، حيث اصطحبت السيدة العذراء مريم البتول، طفلها الرضيع المسيح عيسي بن مريم عليه السلام، بمعية يوسف النجار إلى أرض مصر من الناحية الشرقية، عن طريق صحراء سيناء من ناحية الفرما، عند خرائب البلارزيوم، المنطقة الواقعة ما بين بورسعيد والعريش، حيث اتجهوا بعد ذلك، إلى مدينة تسمي بوبسطة أو تل بسطة، بالغرب من مدينة الزقازيق، وهناك في تل بسطة أرادت السيدة العذراء ماء لتشرب، فلم تجد فمسح المسيح عينيها، ثم رسم دائرة على الأرض، فتفجر منها الماء، وقال لها كل من يأتي يستحم من هذا البئر يشفى من جميع أمراضه، وهذا الماء صحة لأجساد الذين يشربون منه، وهذا البئر لا يزال موجودا حتى يومنا هذا، بالمنطقة الأثرية المعروفة بتل بسطة، أمام منطقة تجنيد الزقازيق.
ومن تل بسطة تحركت العائلة المقدسة في اتجاه الجنوب، حتى وصلت إلى مستطرد، ثم رحلوا عنها إلى بلدة تسمى المحسمة، ومن المحسمة اتجهوا إلى بلبيس، أحد أقاليم محافظة الشرقية، وفي الطريق جلسوا تحت شجرة، هذه الشجرة يحترمها المسلمون والمسيحيون، حتى الآن وتقع هذه الشجرة في وسط مدينة بلبيس، بالقرب من المنطقة المقام فيها جامع أبى الحارث الأنصارى، عند ملتقى شارع الأنصارى بشارع البغدادي.
ثم وصلت الرحلة المباركة سيرها إلى أن وصلت إلى منية سمنود غربية، ومنها عبرت العائلة المقدسة نهر النيل، إلى مدينة سمنود داخل الدلتا، حيث استقبلهم شعبها استقبالاً عظيماً، وبمدينة سمنود يوجد ماجور كبير، يقال أن السيدة العذراء عجنت فيه.
ومن مدينة سمنود تحركت العائلة المقدسة في الاتجاه الشمالي الغربي إلى منطقة البرلس، حتى وصلت إلى مدينة سخا بكفرالشيخ، وهناك وضع المسيح قدمه على حجر، فغاصت قدمه فيه، وهذا الحجر عبارة عن قاعة عمود، تسمى الآن بكعب يسوع، وقد تم إخفاء هذا الحجر زمناً طويلاً خوفاً من سرقته وهو لا يزال موجود حتى الآن.
ومن سخا عبرت العائلة المقدسة نهر النيل، فرع رشيد إلى غرب الدلتا، حيث تحركت جنوباً إلى وادى النطرون، ومن وادى النطرون تحركت العائلة المقدسة جنوباً في اتجاه القاهرة، حيث عبرت نهر النيل إلى ناحية الشرقية، متجه إلى المطرية وعين شمس( هوليوبوليس/ أون) ( تبعد 10 كيلومتر عن القاهرة الحالية)، وكعادته المباركة ضرب يسوع الأرض بيده فتدفق الماء، من نبع عذب فشرب منه وباركه، ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس المخلص يسوع المسيح، وصبت ماء الغسيل على الأرض، فنبت في تلك المنطقة نبات عطري ذو رائحة طيبة جميلة، وهو النبات المعروف باسم (البلسم)، ويستخدم حالياً في صناعة العطور، كما يستخدم في صناعة الأطايب، التي يصنع منها الميرون المقدس.
ومن منطقتي المطرية وعين شمس، اتجهت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة، ولكنها استراحت لفترة بمنطقة الزيتون الحالية -وفي مصر القديمة عاشت العائلة المقدسة بضعة أيام، ثم رحلت عنها في اتجاه الجنوب، حيث وصلت إلى منطقة المعادي الحالية، التي تسمت بهذا الاسم، لان العائلة المقدسة عبرت النيل في مركب شراعي، في الاتجاه نحو الجنوب.
( الصعيد) من البقعة التي أقيمت عليها كنيسة السيدة العذراء، والمعروفة بالعدوية( من كلمة عدت جاءت معادى) ومازال السلم الحجرى الذي نزلت عليه العائلة المقدسة، إلى ضفة النيل موجودا حتى الآن، وله مزار خاص يفتح من فناء الكنيسة، ومن المعادى أقلعت العائلة المقدسة إلى قرية دير الجرنوس ( 10كيلو متر غرب اشنين النصارى/ مركز مغاغة)، حيث مرت على بنى مزار والبهنسا ثم سمالوط، ومنها عبرت النيل، جهة الشرق حيث استقرت العائلة المقدسة لبعض الوقت بمغارة في جبل الطير جبل الكهف، حيث يقال أن صخرة كادت تقع من الجبل على العائلة المقدسة، فمد لها المخلص يسوع يده، ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبعت كفه على الصخرة، وجنوب جبل الطير بنحو كيلو مترين، مرت العائلة المقدسة في رحلتها بشجرة لبخ(غار) عالية ويقال أن الشجرة سجدت ليسوع، والشجرة موجودة حتى الآن، وجميع فروعها تهبط على الأرض، ثم تصعد ثانية بالأوراق الخضراء، يطلق عليها اسم شجرة العابد.
وتركت العائلة المقدسة منطقة جبل الطير، حيث عبرت نهر النيل، من الشرق إلى الغرب، حيث وصلت إلى الأشمونيين التي سقطت وتحطمت فيها كل الأوثان، وباركتها العائلة المقدسة، ومنها انطلقت إلى الجنوب في إتجاه ديروط(20كم)، ومنها إلى القوصية ومنها إلى بلدة مير(ميرة) (7 كم غرب القوصية) التي أكرم أهلها العائلة المقدسة، فباركهم يسوع المسيح والسيدة العذراء.
ومن مير رحلت العائلة المقدسة إلى جبل قسقام، حيث يوجد دير المحرق وهناك استقرت العائلة المقدسة، لمدة ستة أشهر وعشرة أيام، وهى منطقة مهمه لدى عموم المؤمنين من الأقباط، وتسمى بيت لحم الثاني (على بعد 327كم جنوبي القاهرة – 12 كم غرب القوصية/ محافظة أسيوط)، وفي هذا الدير ظهر ملاك الرب ليوسف البار في حلمه قائلا، قم وخذ الصبي وأمه وعد إلى أرض فلسطين، فقد مات الذين كانوا يطلبون نفس يسوع.
العودة
وسارع يوسف البار وصحبه بتنفيذ ما أمر به ملاك الرب، نقلاً عن ربه، وفي طريق العودة سلكت العائلة المقدسة، طريقاً آخر حيث أتجهوا جنوباً، حتى جبل أسيوط ( جبل درنكه)، وباركته السيدة العذراء، ومن هنا انطلقوا مرة آخري إلى مصر القديمة، ثم المطرية ثم الملحمة، ومنها إلى سيناء، ففلسطين حيث سكن يوسف البار والعائلة المقدسة، في قرية الناصرة بالجليل، وهكذا انتهت رحلة الفرار من الخوف إلى الأمان، رحلة الهروب من اليأس إلى الأمل والرجاء، وهى رحلة استمرت ثلاث سنوات و11 شهراً، قطعت خلالها العائلة المقدسة أكثر من 2000 كيلومتر، والرحلة رغم كل شيء كانت بكل المقاييس، رحلة مشقة ومعاناه، فقد قطعت العائلة المقدسة معظم هذا الطريق، سيرا على الأقدام في حر الصيف وبرد الشتاء، متحملين تعب المشي ، والجوع والعطش، نعم تحملوا كل هذا وهم فرحون، من أجلنا، فلعلنا نلتقط حفيف وقع تلك الأقدام الهامسة الحانية الخائفة، تلك الأقدام الكريمة التي فرت بكلمة الله من بيت لحم فى فلسطين، إلى واحة الأمن والأمان في مصر، عبر حدودها الشرقية، فدخلتها بإذن الله، آمنة مطمئنة قبل ألفى عام من الآن، وعلى مدى ثلاث سنوات و11 شهراً، قطعت هذه الأقدام الهامسة الحانية الكريمة نحو 2000 كيلومتر، لتعود بعد ذلك آمنة مطمئنة، إلى قرية الناصرة بالجليل في فلسطين حيث استقرت العائلة المقدسة، بعد زيارتها لمصر، وبعد أن باركت أرض مصر وشعبها مهملاً، إنها ليست وقع أقدام عادية، إنها وقع أقدام العائلة المقدسة العذراء البتول، خير نساء العالمين رضي الله تعالى عنها، وأرضاها وفي أحضانها، وبين ذراعيها كلمة الله، وجيه وجهاء الدنيا والآخرة السيد المسيح عيسي بن مريم ومعها يوسف النجار.