بقلم: دكتور محمد السيد أرناؤوط
أستاذ الارشاد الزراعي المتفرغ بمركز البحوث الزراعية، وحاصل على جائزتي الدولة التشجيعية، في التربية البيئية، والبحوث البيئية عامي 1998& 2005م
أصبحت قضية المبيدات من القضايا المهمة التي تشغل بال الناس حالياً، فالبعض يفكر في جدواها الاقتصادية على الإنتاج الزراعي، والبعض الآخر يتأمل آثارها الضارة على البيئة وصحة الأنسان والتي وصلت سمومها إلى جميع الكائنات الحية، بما فيه لبني الأم، لتصيب وليدها بالضرر في أيامه الأولي.
ولقد كان أجدادنا يزرعون ويحصدون الزرع بدون استخدام المبيدات، ولم يكن يسمعوا أو يعرفوا شيئاً عن كثير من الأمراض، التي انتشرت في عصرنا الخالي، نتيجة الاسراف في استخدام المبيدات (مثل أمراض السرطان والفشل الكلوي والفشل الكبدي وخلافه).
عموماً المبيدات: هي مركبات طبيعية أو كيميائية محضرة معملياً، ولها القدرة على مكافحة الآفات المختلفة والحد من تكاثرها، وانتشارها على مصادر الغذاء بكافة أنواعها، إضافة إلى الآفات التي تهاجم الإنسان والحيوان، وتنقل إليهم الأمراض المختلفة.
وحالياً يستخدم أكثر من 3 مليون طن مبيدات سنوياً، على مستوى العالم (بمعدل نحو نصف كيلوجرام مبيدات لكل شخص، على الأرض لحمايته وحماية غذائه وممتلكاته من الآفات).
ويجب أن يتوفر الشروط التالية في أي مبيد مثالي:
- يقتل الآفة المستهدفة، دون الإضرار بغيرها من الأحياء، وبأقل تركيز ممكن.
- ليست له أضرار صحية قصيرة المدي (حادة) أو طويلة المدى(مزمنة) على الأنواع الحية غير المستهدفة وخصوصا الإنسان.
- يتحلل في جسم الآفة، أو في البيئة بعد وقت قصير من الاستخدام.
- لا يتراكم في جسم الآفة، أو في سلاسل الغذاء.
- لا يدفع الآفات المستهدفة، إلى تكوين مقاومة وراثية ضده، كما حدث لدودة ورق القطن عام 1961.
- سهل الاستخدام ويوفر الوقت والجهد والتكاليف.
- يسهل استخدامه بأمان تحت أي ظروف بيئية.
وللأسف فإن هذه الشروط لا تجتمع كلها، في أي مبيد كيميائي ظهر حتى الآن، حيث أن معظم المبيدات (إن لم تكن كلها) هي سموم واسعة المدى، لا تميز بين النافع والضار من الأحياء في البيئة، التي تطلق فيها (حيث يوجد آثار من مبيد (د. د. ت) الذي توقف استخدامه منذ خمسين عام، في جميع البشر حتى لبن الأمهات.
هذا ومن فوائد استخدام المبيدات ما يلي:
- سهولة استخدام المبيدات (حيث توفر الوقت والجهد والتكاليف).
- الحفاظ على المحاصيل الزراعية، من فقدها أو تلفها بسبب الآفات (والتي يمكن أن تلتهم 30% من المحصول، قبل الحصاد ونحو 20% بعد حصاده).
- زيادة دخل المزارع مع القضاء على الآفات، وزيادة المحصول بالتالي.
- سهولة الحصول على المبيدات بأنواعها، من محلات المبيدات المنتشرة.
- الحفاظ على صحة الإنسان من الحشرات الناقلة للأمراض (مثل الملاريا التي يسببها البعوض، الطاعون الذي يسببه براغيث على الفئران)، باستخدام مبيدات الفوسفور العضوية ضد الآفات وغيره.
ومن أضرار الاسراف في استخدام المبيدات على الإنسان والبيئة.
- القضاء على الكائنات الحية الدقيقة، التي تزيد من خصوبة التربة (مثل البكتريا المثبتة للنتروجين، والبكتريا العقدية، والبكتريا المحللة للسماد العضوي والكيماوي)، مما يزيد من استخدام الأسمدة الأزوتية الكيماوية، والتي لها آثار ضارة.
- القضاء على الطيور الصديقة (مثل أبو قردان والحدأة وخلافه)، وكذا الحشرات المفيدة (مثل نحل العسل والحشرات الملقحة لزهور المحاصيل، مما يقل إنتاج المحاصيل).
- القضاء على الأعداء الطبيعية للآفات (مثل القضاء على الحشرة الرواغة، وفرس النبي، وأبو العين وغيره) مما يزيد من انتشار الآفات.
- أن تكرار استخدام نفس المبيدات، يؤدي إلى ظهور سلالات آفات جديدة، مقاومة للمبيدات.
- كما أن استخدام مبيد معين ضد حشرة ما، يؤدي إلى تزايد حشرات آخري، لا تتأثر بنفس المبيد (كما حدث لانتشار الإصابة بحشرات المن، والعنكبوت الأحمر وغيره)، بسبب الاسراف في استخدام المبيدات.
- انتقال المبيدات في سلاسل الغذاء، ليصل إلى الإنسان وتصيبه بالأمراض المختلفة، مثل تضخم وفشل كلوي وخلافه.
- كما أدى الاسراف في استخدام المبيدات، حتى في المنازل مثل (مبيدات الصراصير وحتى المعطرات تحتوي على سموم) إلى إصابة الإنسان بسرطان الدم(اللوكيميا)، واضطرابات عقلية وعصبية، ونقص جهاز المناعة وغيره من الأمراض.
- كما تقل إنتاجية المحاصيل الزراعية (كما وكيفاً) مع تزايد استخدام المبيدات، خصوصاً محاصيل التصدير للخارج.
وعموماً يجب ترشيد استخدام المبيدات، والتوسع في المكافحة المتكاملة، من خدمة جيدة للأرض، وتشميس لها، والزراعة في المواعيد المناسبة، واختيار أصناف مقاومة للآفات، واستخدام المكافحة الحيوية (البيولوجية)، في مقاومة الآفات، وغيره من الوسائل الطبيعية في المكافحة.